على غرار السنوات الفارطة، احتل المغرب مراتب جد متأخرة في مؤشر “التايمز” لتصنيف الجامعات في العالم، إذ لم تتمكن أي جامعة مغربية من حيازة مكانة ضمن الألْف جامعة الأولى في التصنيف.
في هذا الحوار ، يقيّم عبد الناصر ناجي، رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم “أماكن”، وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين سابقا، تصنيف الجامعات المغربية في مؤشر “التايمز”، ويخلص إلى أن تألق الجامعات المغربية في التصنيفات الدولية رهين بالرفع من الإنتاج العلمي بواسطة النشر في المجلات العلمية المفهرسة، وتجويد منظومة التدريس.
ما تقييمك لتصنيف الجامعات المغربية في مؤشر “التايمز”؟
بالأرقام، بلغ عدد الجامعات المشاركة في هذا التصنيف الدولي 2325 جامعة، وعدد الجامعات المغربية التي شاركت فيه كان تسع جامعات، منها ثمان تم تصنيفها ما بعد الألف (جامعة الحسن الأول بسطات جاءت في المرتبة ما بعد 1500)، وواحدة لم يتم تصنيفها لعدم استيفائها المعايير الدنيا، ويتعلق الأمر بالجامعة الدولية بالرباط.
أول جامعة مغربية في الترتيب هي جامعة سيدي محمد بن عبد الله، التي حصلت على 25,2 نقطة من 100، وقد تراجعت بأربع نقط عن السنة الماضية.
أما إذا اعتبرنا الترتيب حسب عدد الجامعات المصنفة في كل دولة، وإن كانت هذه المقارنة غير ذات معنى نظرا للاختلافات بين الدول في عدد الجامعات، فإن المغرب احتل المرتبة السادسة إفريقيا وعربيا وليس الرابعة كما جاء في بيان وزارة التعليم العالي.
ويُعتبر دخول تصنيف “التايمز” اختياريا بالنسبة لجميع مؤسسات التعليم العالي عبر العالم؛ شريطة استيفاء ثلاثة معايير لكي يتم تضمينها في الترتيب؛ وهذه المعايير هي أولا نشر عدد كافٍ من الأوراق البحثية في الخمس سنوات الماضية لا يقل عن ألف ورقة، بمعدل 200 بحث في السنة، وتوفير الدراسة لطلبة التعليم العالي ما قبل الإجازة، وتوفير تكوينات في مجموعة من التخصصات.
وإذا كانت جميع الجامعات المغربية تستوفي بطبيعتها الشرطين الثاني والثالث، فإن الشرط الأول المتعلق بالإنتاج العلمي ما زال يشكل عقبة أمام دخول أكثر من نصف الجامعات المغربية إلى هذا التصنيف العالمي، على الرغم من أنه لا يشكل في المتوسط سوى أقل من ورقة بحثية لكل أستاذ باحث كل خمس سنوات، في حين تمكنت ثمان جامعات إلى حد الآن من دخول هذا التصنيف العالمي؛ الشيء الذي لا يمكن أن يوصف بالتالي بالإنجاز، بل فقط بتحقيق القابلية للتصنيف ضمن الجامعات التي تستوفي الشروط الثلاثة سالفة الذكر. عندها فقط يبدأ التباري قياسا إلى مجموعة من المعايير تهم معيار بيئة التعلم من خلال مؤشرات السمعة العلمية ونسبة التأطير الإداري ونسبة الطلبة الدكاترة قياسا بطلبة الإجازة ونسبة خريجي الدكتوراه قياسا بعدد الأساتذة المؤطرين والدخل المؤسساتي، ومعيار البحث العلمي من خلال مؤشرات السمعة البحثية والدخل البحثي والإنتاج البحثي، ومعيار التأثير البحثي من خلال مؤشر عدد الاقتباسات المتضمنة في المجلات العلمية المفهرسة.
هذه المعايير الثلاثة يحتسب كل منها بنسبة 30 بالمائة في التقييم النهائي للجامعات المشاركة في تصنيف “التايمز”، يضاف إليها معيار الحضور الدولي الذي يحتسب بـ7.5 بالمائة من خلال مؤشرات نسبة الطلبة الدوليين، ونسبة الأطر الدولية والتعاون الدولي، ثم معيار نقل المعرفة الذي يحتسب بـ2.5 بالمائة من خلال مؤشر الخدمات التي تقدمها الجامعة لعالم المقاولات.
وبالرجوع إلى نتائج الجامعات المغربية في تصنيف “التايمز” لهذه السنة، فبغض النظر عن الترتيب الذي جعل أول جامعة مغربية، وهي جامعة سيدي محمد بن عبد الله وليس ابن طفيل كما ذكر بلاغ الوزارة، تأتي بعد المرتبة الألف بعدما احتلت السنة الماضية المرتبة 918، وهو ما يعزى إلى ارتفاع عدد الجامعات المشاركة بحوالي 220 جامعة، فما ينبغي أن يثير الانتباه هو التراجع في عدد النقط المحصل عليها، حيث انخفض عدد النقط بالنسبة لأول جامعة مغربية بأربع نقط، بل إن المشاركة المغربية عرفت في السنوات الثلاث الأخيرة تراجعا في متوسط النقط المحصل عليها، حيث انتقل من 21.5 نقطة سنة 2020 إلى 21.4 نقطة سنة 2021، ثم إلى 21.1 نقطة هذه السنة.
وإذا قارنا هذه النتائج بنتائج الجامعات العربية نجد أن أول جامعة مغربية في التصنيف احتلت المرتبة 66 عربيا بعدما احتلت السنة الماضية المرتبة 31، مسبوقة بجامعات سعودية ومصرية وإماراتية وأردنية وتونسية وجزائرية ولبنانية وقطرية وعمانية وكويتية وفلسطينية وعراقية، علما أن جامعة الحسن الأول بسطات احتلت المرتبة 103 من مجموع 104 جامعات عربية مصنفة في الترتيب.
ما هي الأسباب الرئيسية التي ترى أنها تجعل الجامعات المغربية تحتل مراتب متخلفة في مؤشرات تصنيف الجامعات على الصعيد العالمي؟
يظل أداء جامعاتنا ضعيفا في معيارين أساسيين هما: معيار التدريس ومعيار البحث العلمي، حيث لم يتجاوز عند جامعة سيدي محمد بنعبد الله، بوصفها أفضل جامعة مغربية في تصنيف هذه السنة، 23.9 نقطة بالنسبة للمعيار الأول و10.4 نقط بالنسبة إلى المعيار الثاني، أي البحث العلمي، الذي يعتبر نقطة الضعف الأساس بالنسبة إلى الجامعات المغربية، حيث لم يتجاوز أداؤها في جميع مشاركاتها السابقة في التصنيف العالمي للجامعات 11.6 نقطة، مع الإشارة إلى التقدم الملموس الذي حققته جامعة محمد الخامس هذه السنة على هذا المستوى، حيث ارتفع أداؤها في هذا المعيار إلى 13.3 نقطة، وهو أحسن إنجاز في تاريخ المشاركات المغربية لحد الآن.
هذا يعني أن التألق المغربي في التصنيفات الدولية رهين بالرفع من الإنتاج العلمي بواسطة النشر في المجلات العلمية المفهرسة، وتخصيص المزيد من الاعتمادات المالية لمجال البحث العلمي، خاصة من خلال إشراك المقاولات في تمويله.
أما فيما يخص معيار التدريس، فتظل أحسن نقطة حصلت عليها الجامعات المغربية هي 30.4، والتي عادت إلى جامعة محمد الخامس، مما يتطلب المزيد من الجهود لبلوغ 40 نقطة على الأقل؛ من خلال الرفع من نسبة التأطير في الجامعات المغربية، والرفع من نسبة الطلبة الدكاترة قياسا بطلبة الإجازة، بالإضافة إلى الزيادة في عدد خريجي الدكتوراه كل سنة، مع الاهتمام أكثر بجودة التكوين في هذا السلك ومحاربة ظاهرة السرقة العلمية التي تطبع العديد من البحوث المنجزة.
هناك من يضع ضعف الإمكانيات المالية المرصودة للجامعات على رأس أسباب تخلفها في الترتيب العالمي. هل تتفق مع هذا الطرح؟
صحيح أن البحث العلمي يعاني من ضعف الاعتمادات المالية المخصصة له مقارنة بدول أخرى، بل مقارنة حتى بالعتبة المحددة في المرجعيات الوطنية، حيث لم نستطع بعد بلوغ حاجز 1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
لكن يوجد إشكال أيضا على مستوى ترشيد النفقات وتحقيق الفعالية المطلوبة في تدبير الموارد المالية المرصودة للبحث العلمي إلى جانب البيروقراطية المفرطة، التي تكاد لا تترك عمليا للمختبرات إلا النزر القليل من الميزانيات المخصصة؛ وما يدعم هذا الرأي هو تحليل نتائج تصنيف “التايمز” باعتماد مؤشر حصة الفرد من الناتج الداخلي الخام المبنية على تعادل القوة الشرائية.
وهكذا، نجد أن 110 جامعات تنتمي إلى دول تتسم بدخل فردي أقل من المغرب، أي أقل من 7296 دولارا، حصلت على ترتيب أفضل من الجامعات المغربية. ومن بين هذه الدول إثيوبيا المحتلة للمرتبة 500 رغم أن دخلها الفردي لا يصل إلى ثلث الدخل الفردي بالمغرب، أي 2423 دولارا، والنيبال التي احتلت المرتبة 800، وكينيا التي جاءت في المرتبة 600 بنصف الدخل الفردي المغربي تقريبا، أي 4008 دولارات و4452 دولارا على التوالي.
مؤخرا نبه وزير التعليم العالي إلى تزايد عدد الأساتذة الجامعيين الذين يقدمون طلبات الاستفادة من التقاعد النسبي أو الاستقالة، هل سيؤثر هذا العامل بشكل أكبر على وضعية الجامعة المغربية مستقبلا؟ وهل ترى أنه يعكس غياب مناخ ملائم لعمل الأساتذة، أم أنه راجع إلى بحث الأساتذة عن تحسين وضعهم بالعمل في القطاع الخاص؟
أكيد أن العنصر البشري هو قطب الرحى في أي إصلاح، وأن الأستاذ الجامعي هو الضمانة الحقيقية لتحسين جودة التعليم العالي، وبالتالي يبقى توفير ظروف العمل المواتية مدخلا أساسيا للإصلاح، لكن مع ربط ذلك بتقييم حقيقي للعمل المنجز من طرف الأستاذ، خاصة في مجال البحث، وربط الترقية بالمردودية.
إن تحسين ترتيب الجامعات المغربية في التصنيفات الدولية يتطلب إصلاحا جامعيا عميقا ينصب بالأساس على تحسين جودة التدريس من خلال التأهيل البيداغوجي الجيد لأطر التدريس، وتحسين بيئة التعلم من أجل الرفع من المردودية الداخلية للتعليم العالي؛ الشيء الذي سينعكس بشكل إيجابي على جودة مراكز دراسات الدكتوراه، وبالتالي على جودة الخريجين، وجودة البحث العلمي مستقبلا.
آنذاك سيكون أداء الجامعات المغربية متميزا في معايير تصنيف “التايمز” للتعليم العالي، شريطة ضمان استدامة الإصلاح بالدعم المالي الضروري، وبنظام صارم للتقييم يضمن تحقيق الأهداف المسطرة، ويساعد على التطوير المستمر لمنظومة التعليم العالي؛ غير أن ذلك لن يتأتى إلا بإصلاح جذري لمنظومة التربية والتكوين في شموليتها، لأنها سلسلة مترابطة الحلقات، وكل ضعف في إحداها يؤثر بشكل مضاعف على مجمل المنظومة، ولو قمنا بتقوية باقي الحلقات.
هل ترى أن الاستمرار في اعتماد اللغة الفرنسية بدل الإنجليزية كلغة أجنبية أولى يساهم في عدم تطور أداء الجامعة المغربية؟
هناك بديهية تربوية وعلمية مفادها عدم وجود منظومة تربوية واحدة على الصعيد العالمي تقدمت باعتماد لغات أجنبية بمثابة لغات للتدريس ولو في التعليم العالي.
التوجه العام في هذه الدول هو التدريس باللغات الرسمية، مع تقوية التمكن من اللغات الأجنبية، خاصة اللغة الإنجليزية، التي أصبحت اللغة الأكثر تداولا في مجال البحث العلمي.
وبما أن أفضل المجلات العلمية المصنفة تنشر بهذه اللغة، فإن الباحثين اليوم مطالبون بإتقان هذه اللغة من أجل الاطلاع أولا على أحدث ما ينشر في مجال تخصصاتهم، ثم ثانيا التمكن من نشر أوسع لبحوثهم على الصعيد الدولي. لكن المشكل بالنسبة لبلادنا هو عدم التمكن من أي لغة بسبب ضعف منظومتنا التربوية من جهة، والفوضى السائدة في المشهد اللغوي الوطني من جهة ثانية.
أما إذا كان لا بد من اختيار لغة أجنبية في التعليم العالي فلن تكون سوى الإنجليزية للأسباب المذكورة، أما الفرنسية فقد أصبحت متخلفة عن الركب العلمي وأصبحت مهجورة حتى في عقر دارها.
المصدر : hespress.com